تاریخ اسلام و معاصر ایران و جهان

تاریخ اسلام و تشیع
تاریخ اسلام و معاصر ایران و جهان
.....
بایگانی
پیوندها
طبقه بندی موضوعی
۰۴ مهر ۹۵ ، ۰۹:۲۹

إحذَروا الوَهابِیَّة!!

لقد ربَّى محمد بن عبدالوهاب أتباعه على مبدأ عدم التفکیر بشیء یتصل بخیر الناس و منفعتهم ، و عدم الاهتمام إلا بالتعصب ، و الحکم بالشرک على أهل لا اله إلا الله محمد رسول الله ..

محمد بن عبدالوهاب، موسس الوهابیة

محمد بن عبدالوهاب هو صاحب الدعوة الوهابیة، و إلیه ینتسب المذهب الوهابی . . ولد فی العشرة الثانیة من القرن الثانی عشر الهجری بمدینة تسمى «العینیة» بنجد، و کان أبوه قاضیاً فیها، و أمیرها یومذاک عبد الله بن معمر .

درس محمد، على أبیه مبادئ العلوم الدینیة، و طرفاً من الفقه، ثم رحل إلى الحجاز، و مکث اشهراً ، و أثناء إقامته فی المدینة المنورة حضر على بعض شیوخها ، ثم عاد إلى نجد، و ما استقر فیها ، حتى استأنف الرحلة إلى البصرة ، و حین أظهر آراءه لأهلها أنکروا علیه، و طردوه، فخرج منها هارباً، و عاد إلى أبیه بنجد، و کان أبوه قد ترک العینیة إلى بلدة «حریملة» و بقی الوالد فیها إلى أن وافته المنون سنة 1143 هـ .
Image result for ‫عربستان‬‎
و عن تاریخ الالوسی ان الأب لم یکن راضیاً عن ابنه، و انه زجره و نهاه ، و بعد أن مات أبوه تجرأ علیه أهل حریملة ، و هموا بقتله ، فلم یجد بدا من الهرب إلى العینیة ، و هی مسقط رأسه ، و دار نشأته ، و قد تعاهد هو و أمیرها عثمان بن معمر على أن یشد کل منهما أزر الآخر ، فیترک الأمیر للشیخ الحریة فی إظهار الدعوى ، و العمل على نشرها ، لقاء أن یقوم الشیخ بدوره بشتى الوسائل لسیطرة الأمیر على نجد بکاملها، و کانت یومذاک موزعة إلى ست أو سبع إمارات ، منها إمارة العینیة .

و لکی تقوى الروابط بین الاثنین زوج الأمیر أخته جوهرة من الشیخ ، فقال له الشیخ : «إنی لآمل أن یهبک الله نجداً و عربانها». 
و هکذا یؤمن محمد عبدالله بأن الله یهب الأحرار ، و ما یملکون لمن یناصره فی دعوته ، و یجعلهم عبیداً له من دون الله هذا ، و هو یدعو إلى التوحید الخالص من شوائب الشرک . . أما نحن الشیعة ، أما نحن المشرکین فی نظر محمد عبد الوهاب و إتباعه فإنا ندین و نعتقد بأن الناس کلهم أحرار ، و أن الله لم یجعل لإنسان سبیلاً على مثله ، و انه سبحانه یهب الهدایة و العقل و الصحة و الخیر ، أما الشر و الظلم و التحکم بالأرواح و الأموال فهو من الشیطان لا من الرحمن فی عقیدتنا . . إن عندنا من العلم بعدل الله و إحسانه ما ینزهه عما یقول و یفعل الظالمون .

و هکذا بدأ التحالف بین الشیخ و الأمیر ، واحدة بواحدة . . مساومة ، ثم أخذ و عطاء ، و الثمن هو الدین و الشعب ، أما زواج الشیخ من جوهرة فتثبیت للتحالف ، و ضمان للوفاء . . لقد سخّر محمد عبد الوهاب الدین لرجل الدنیا ، و تطوع لتعزیز حکمه ، دون أن یکون على یقین من عدله ، أو یأخذ منه موثقاً لتحسین الأوضاع ، و راحة الناس ، و العمل للصالح العام . . بل على العکس فقد وعده بملک نجد و عربانها . . و لکن لا بالاقتراع و حریة تقریر المصیر ، بل بالحرب و الغزو ، و بأشلاء الضحایا . . و مع ذلک فان محمد عبد الوهاب هو المجدد المصلح ، و صاحب رسالة إنسانیة . .

و مهما یکن ، فان التحالف بین الاثنین لم یطل عمره ، ولم یتم أمره ، و ما تمخض إلا عن زواج الشیخ بجوهرة ، و هدم قبر زید بن الخطاب ، و إثارة الفتن و القلائل من جراء دعوة ابن عبد الوهاب التی زجره عنها أبوه ، و حاول ـ من أجلها ـ أهل البصرة و حریملة أن یقتلوه ، لم یطل عمر التحالف بین الشیخ و الأمیر ابن معمر ، لان سلیمان الحمیدی صاحب الاحساء و القطیف أمر عثمان بن معمر ـ و کان أقوى منه ـ أن یقتل الشیخ ، قال فیلیبی فی تاریخ نجد ص 38 :
« قرر عثمان أن یتخلص من ضیفه ، فطلب من أن یختار المکان الذی یرید الذهاب إلیه ، فاختار الدرعیة، فأرسل عثمان معه رجلاً اسمه فرید ، و کلفه أن یقتل الشیخ فی الطریق . و لکن فریداً خذلته إرادته ، و ترک الشیخ ، و قفل راجعاً دون أن یمسه بسوء ».

وصل الشیخ إلى الدرعیة سنة 1160 هـ، و کان أمیرها آنذاک محمد بن سعود، جد السعودیین ، و تم الاتفاق بین الشیخ و الأمیر على غرار ما کان قد تم بینه و بین أمیر العینیة، فقد وهب الشیخ نجداً و عربانها لابن سعود . کما وهبهما من قبل لابن معمر ، و وعده « ان تکثر الغنائم علیه و الاسلاب الحربیة التی تفوق ما یتقاضاه من الضرائب » (1) ،على أن یدع الأمیر الشیخ ، ما یشاء من وضع الخطط لتنفیذ دعوته ، و تقول الرواة : إن الأمیر السعودی بایع محمد بن عبدالوهاب على القتال فی سبیل الله . . و معلوم أنهما لم یفتحا بلداً غیر مسلم فی الشرق ، أو فی الغرب ، و إنما کانا یغزوان و یحاربان المسلمین الذین لم یدخلوا فی طاعة ابن سعود ، و هذا الاتفاق ، أو هذه المساومة ، و ما سبقتها مع ابن معمر تلقی الضوء الکاشف على دعوة ابن عبدالوهاب ، و اقل شیء تتکشف عنه أنها لا تهتم بمصائر الناس ، و لا یحل أیة مشکلة من مشاکلاتهم ، کما هو شأن الدعوات و الرسالات الصالحة .

و بعد أن شعر محمد عبد الوهاب بقوته عن طریق هذا التحالف ، و ان الامارة السعودیة أصبحت تناصره و تؤازره ، بعد هذا الشعور جمع الشیخ أنصاره و إتباعه ، و حثهم على الجهاد ، و کتب إلى البلدان المجاورة المسلمة أن تقبل دعوته ، و تدخل فی طاعته ، و کان یؤخذ ممن یطیعه عشر المواشی و النقود و العروض ، و من أبى غزاه بأنصاره ، و قتل الأنفس ، و نهب الأموال ، و سبى الذراری . . ادخل فی الوهابیة و إلا فالقتل لک ، و الترمل لنسائک ، و الیتم لأطفالک . . هذی هی الشریعة السمحة ، و التعالیم الغراء ، و النیة الخیریة ، و الخلق الکریم . . و هذا هو النظام العادل الصالح الحکیم . . هذا هو بالذات مبدأ عبد الوهاب . الذی لا یتنازل عنه لأیة مصلحة ، و من أجله تحالف مع ابن معمر فی العینیة ، ثم مع ابن سعود فی الدرعیة ، و کان على أتم استعداد أن یتحالف مع أیة قوة یستعین بها على ذلک.


و لکنه لم یجد مناصراً أفضل من ابن سعود بعد أن تأکد هذا الأمیر أن انتصار دعوة الشیخ هو انتصار له بالذات ، « و ان الغنائم و الأسلاب الحربیة التی وعده بها الشیخ ستفوق ما یتقضاه من الضرائب » . . ولم تکن هذه الغنائم و الأسلاب إلا البعیر ، و إلا الشاة التی کانت کل ما یملکه المسلم الآمن فی صحراء نجد ، و المصدر الأول لحیاته و حیاة أطفاله و عیاله . . کان الشیخ یغزو بأنصاره و أتباعه عربان نجد یسلبونهم مصدر حیاتهم ، ثم یقفلون إلى الدرعیة بعد أن یترکوا وراءهم أشلاء الضحایا ، و الخرائب و الأرامل و الأیتام . . و یوزع الشیخ علیهم أربعة أخماس الغنائم و الأسلاب من المسلمین الآمنین ، و یخص الخمس بالخزینة التی یتصرف بها هو و الأمیر السعودی ، قال عبد الله فیلیبی فی تاریخ نجد ص 41 : « و قد ادخل الإمام فی عقول طلابه مبادئ فریضة الجهاد المقدس ، فوجد الکثیرون منهم فی الجهاد اقدس تعالیمه ، إذ أنه یتفق مع ما اعتاد علیه العرب ـ یرید ان العرب قاد اعتادوا على السلب و النهب ـ کما خصص الشیخ خمس الاسلاب بخزینة المرکزیة التی کان الأمیر و الإمام یتقاضیان منها ما یقوم باودهما . . و هکذا کان سلطان الشیخ فی تصرف شؤون البلاد بعد مرور سنة أو سنتین ، لقد أصبح شریکاً مؤسساً ».

و قد دان بمبدأ «الوهابیة أو السیف» کل وهابی ، حتى یومنا هذا ، لأنه یحقق له ما اعتاد علیه من السلب و النهب . . ففی سنة 1345 هـ طلب 14 عالماً وهابیاً من الملک عبد العزیز أن یجبر شیعة الاحساء و القطیف على ترک « الشرک » أی على اعتناق الوهابیة ، و ان یرتب لهم اماماً وهابیاً ، و مؤذناً وهابیاً ، و أن یهدم الحسینیات و مسجد حمزة ، و أبی رشید ، و من أبى عن اعتناق الوهابیة ینفى من البلاد (2) و متى نفوا من بلادهم و دیارهم تکون جمیع أملاکهم للوهابیة ، تماماً کما فعل الصهاینة بعرب فلسطین .
هکذا یهتف ابتاع محمد عبدالوهاب : لا عدل ، لا سلم ، لا رحمة ، لا إنسانیة ، لا حیاة ، لا شیء ابداً إلا «الوهابیة أو السیف » . .

و هذه السنة التی اسنتها یتحمل وزرها محمد عبد الوهاب من یومه إلى یوم القیامة . . لأنها ، کما ترى ، دعوة تقوم على الحرب و الضحایا ، و تنطبع بطابع الدم و الفوضى .
و من تلک السنة التی وقع فیها الاتفاق بین الشیخ و الأمیر السعودی ، و هی سنة 1158 هـ ، إلى یومنا هذا ، و التعاون قائم بین أبنائهما : توزیع مناصب ، و تقسیم غنائم ، ثم ایغال فی البذخ و الترف و لنا أن نتساءل :

 هل کان محمد عبدالوهاب قائداً من قادة الدین ، و رائداً من رواد الشریعة الإسلامیة ، أو کان رجلاً یحب الظهور و السیطرة ، و قد اتخذ الوهابیة وسیلة إلى ما أحب ؟ .

و الجواب عن هذا السؤال یتوقف على أمرین : الأول أن نعرف خصائص رجل الدین ، و العلامات الفارقة بینه و بین غیره ، الثانی أن نقرأ بتأمل و تجرد تاریخ محمد عبد الوهاب ، ثم نرى : هل تنطبق علیه تلک الخصائص ، اولاً ؟

أما خصائص رجل الدین و علاماته ، أو وظیفته و مهمته فهی أن یعلم اولاً و قبل کل شیء إن العقیدة تقوم على الاختیار و قوة الإقناع ، لا على الإکراه و السیف(3) و ان یکون مع الکتاب و القلم ، و یستفتى فیفتى ، و ان یعلم و یعظ و یدعو إلى سبیل ربه بالحکمة و الموعظة الحسنة ، و یجادل من خالف بالتی هی أحسن ، و أن یحیی الشعائر الدینیة ، و یصلح ذات البین ، و یقف ضد الحروب و التطاحن و المشاغبات ، و یعمل على تصفیة القلوب و بث المحبة و الإخاء ، و أن یکون رحب الصدر لا یلحق الأذى بمخلوق ، کائناً من کان ، و یجب الخیر للناس ، کل الناس ، حتى الذین یخالفونه فی الرأی و العقیدة ، و یعمل على إسعادهم ، و التضحیة فی سبیلهم ، و یهاجم الشر أینما کان ، و أن یکون ودیعاً ورعاً زاهداً ، یرضى بما یجد ، لا تغلبه عاطفته ، و جشعه على دینه ، بعیداً کل البعد عن التحزبات ، و لا یجمع حوله الهمج الرعاع ، و یحرض على الفوضى و الغزو باسم الجهاد ، و لا یتعاون مع أبناء الدنیا إلا فیما فیه الخیر و الهدایة ، و ان یعتقد اعتقاداً جازماً أن أی سبب من أسباب التفرقة هو طعنة مسمومة فی قلب الدین و الأمة و بالتالی ، لا یتنازل عن شیء من واجباته مهما کان الثمن .

هذا هو رجل العلم و الدین . . فهل کان محمد عبدالوهاب کذلک ؟ . و ندع الجواب للتاریخ وحده ، قال صاحب خلاصة الکلام : « قوی أمر محمد عبد الوهاب ، فخافته البادیة » . و بدیهة أن صاحب الدین لا یخاف احد منه ، بل هو ملجأ الخائفین ، و جاء فی الحدیث : «شر الناس من تخاف الناس من شره » و فی جغرافیة «ملطبرون» ترجمة رفاعة بک : «و قوّى ابن عبد الوهاب دعوته عن طریق السیف» . و فی تاریخ ابن بشر : «أمر محمد عبد الوهاب بالجهاد ، و حض علیه أتباعه ، فامتثلوا ، و أول جیش له تألف من سبع رکائب» . و معلوم أن هذه الرکائب غزت بلاد المؤمنین بلاد لا إله إلا الله و محمد رسول الله . . و فی تاریخ نجد للالوسی : «کتب ابن عبد الوهاب إلى أهل نجد ـ و هم مسلمون ـ فبعضهم أطاع ، و بعضهم لم یحفل به فأمر أهل الدرعیة بالقتال فأجابوه (4).


و کان لمحمد عبدالوهاب أخ، اسمه الشیخ سلیمان بن عبد الوهاب، و کان یشغل منصب القاضی فی حریملة ، و کان کأبیه ینکر على أخیه محمد آراءه المتطرفة . . و ألف کتاباً خاصاً فی الرد علیه ، و على أتباعه أسماه « الصواعق الإلهیة فی الرد على الوهابیة » وجدت منه نسخة فی مکتبة المقاصد ببیروت ، و نقلت عنه بعض الکلام فیما تقدم ، و یدل الکتاب على علم صاحبه ، و سعة إطلاعه ، و انه قد بذل جهداً کبیراً فی الدرس ، و امداً طویلاً فی البحث ، و قد نعت أخاه محمداً فی أول کتاب الصواعق بالجهل و الضلالة ، قال فی ص 4 طبعة 1306 هـ  :
» فان الیوم ابتلى الناس بمن ینتسب إلى الکتاب و السنة ، و یتبسط فی علومهما ، و لا یبالی ـ أی أخوه محمد عبد الوهاب ـ من خالفه ، و إذا طلبت منه أن یعرض کلامه على أهل العلم لم یفعل ، بل یوجب على الناس الأخذ بقوله ، و بمفهومه ، و من خالفه فهو عنده کافر ، هذا ، و هو لم یکن فیه خصلة واحدة من خصال أهل الاجتهاد ، لا والله ، و لا عشر واحدة ، و مع هذا راج کلامه على کثیر من الجهال ، فانا لله و إنا إلیه راجعون ، الأمة کلها تصیح بلسان واحد ، و مع هذا لا یصغى إلى کلمة ، بل کلهم کفار ، أو جهال ، اللهم اهد هذا الضال ، و رده إلى الحق».


و من ألمّ بسیرة ابن عبد الوهاب ، أو بطرف منها لم یشک فی أن أتباعه و أنصاره کانوا یغزون و یشنون الغارات على المسلمین الآمنین بأمره و تحریضه ، و أنهم کانوا یفرشون الأرض بالصرعى و القتلى من أبناء نجد الذین لهم على الشیخ حق الجوار من النصرة و الحمایة و المواساة . . ولم یشک ایضاً أن التحالف الوثیق الذی حصل بین الشیخ ، و بین ابن سعود کان یهدف أو ما یهدف إلى انتشار النفوذ و السیطرة عن طریق الغزو و الغارات ، و « الأسالیب الحربیة » . . و أین هذا من الإسلام ، و علماء الإسلام؟ . لقد جاء الإسلام فیما جاء لمحاربة الظلم الذی کان یتمثل بغزو أهل الجاهلیة بعضهم بعضاً فأحیاه ابن عبد الوهاب .

فی سنة 1920 أفتى علماء النجف و الأزهر بالجهاد ، و تطوعوا بأنفسهم للحرب ، و حملوا السلاح ، و لکن ضد الانکلیز التی استعمرت مصر و العراق ، لا ضد من قال لا إله إلا الله ، و لا ضد مسالم کائناً من کان .
و الغریب ان من تتبع سیرة محمد عبد الوهاب ، و قرأ کلماته لا یجد فیها اثراً لعمارة الأرض ، و لا للسلم و الرخاء ، و لا لسد عوز المعوزین ، و لا أیة إشارة إلى العدالة الاجتماعیة و تحسین الأوضاع و الحیاة ، بل ترک ذلک کله ، ولم یلتفت إلیه ، مع انه کان یسمع و یرى الناس من حوله یعیشون فی ضنک من العیش ، و ضیق فی الحیاة تتقطع عنهم أسباب الرزق إلا من شاة أو بعیر ، فإذا أجذبت السماء ماتوا جوعاً و عریاً ، لقد تجاهل کل ذلک على رغم ما کان له من النفوذ و السلطان ، قال فیلیبی فی تاریخ نجد : «إن محمد بن سعود و خلیفته عبد العزیز لم یقوما بأی مشروع ، أو یصدرا أی قرار ذی شأن إلا بموافقة الشیخ و برکته».

و إذا دل اعراض الشیخ عن التفکیر بصلاح الناس فی عیشهم و تحسین حیاتهم ، إذا دل هذا على شیء ، فإنما یدل على أحد أمرین ، لا ثالث لهما : اما إنه لا یبالی أشقی الناس ، أو سعدوا ، و اما انه جاهل بروح الإسلام ، و بمقاییس الخیر ، و أساب التطور و التقدم . . إن الذین یعرفون مقاصد الإسلام یعلمون علم الیقین إن اقرب الناس إلى الله ، و أخلصهم فی توحیده و عبادته هو انفع الناس للناس، انفعهم فی صلاح أحوالهم و تخفیف آلامهم ، و ان ابعد الناس عن الله جل و عز هو من یسفک الدماء ، و ینهب الأموال ، و یسبی الذراری ، و یقحم الدین فی أهوائه و أغراضه (5).

و قد ربَّى محمد عبد الوهاب أتباعه على مبدأ عدم التفکیر بشیء یتصل بخیر الناس و منفعتهم ، و عدم الاهتمام إلا بالتعصب ، و الحکم بالشرک على أهل لا اله إلا الله محمد رسول الله .
و بعد ، فعلینا أن نفهم و نمیز بین أهل الدین حقا ، و بین الذین ینتحلونه لمآرب أخرى . . علینا أن لا نتهم احداً ، و لا نثق بأحد إلا بعد أن نتعرف على سیرته من أوثق المصادر و أصحها . . علینا أن نقف موقف الشک و الریبة من کل دین و عقیدة ، و من کل من ینعته الناس بالإمام المصلح ، أو المفسد المضلل ، حتى یظهر الحق جلیاً ، و لن یظهر إلا بالبحث و التمحیص ، و من درس حیاة محمد عبد الوهاب یرى أول ما یرى انه یفرض آراءه بالقوة ، و لکن على المسلمین خاصة دون غیرهم . . و کل الناس یعلمون أن أیة عقیدة، أو رأی یحاول صاحبه أن یفرضه بالقوة فإنه یحکم على نفسه بنفسه بالفساد و البطلان .

مات محمد عبدالوهاب سنة 1206 هـ ، و سار أبناؤه على سیرته یناصرون أبناء سعود ، و یناصرهم أبناء سعود ، و یسندون إلیهم نفس المناصب التی کان ابن سعود یسندها لأبیهم ، و زیادة بحکم تطور الزمن .
و اختم هذا الفصل بسؤال تذکرته الآن ، و هذا هو : یقول الوهابیون : إنهم أدرکا و وعوا معنى لا اله إلا الله . . و بدیهة ان أول ما تدل علیه هذه الکلمة انه لیس لأحد کائناً من کان أن یتحکم بغیره ، أو یفرض علیه مالا یتجاوب مع قلبه و عقله . . إذن ، کیف جمع الوهابیون بین الإیمان بلا اله إلا الله ، و بین مبدأهم القائل : « الوهابیة أو السیف » ؟!؟ . . و کیف جمعوا بین هذا المبدأ ، و بین الادعاء بأنهم یجرون وراء الخیر ، و یریدونه للناس ، تماماً کما یریدونه لأنفسهم ، مع العلم بأن هذا المبدأ أساس البغضاء و الشحناء ، و الفوضى و الفتن و الحروب و کل أنواع الفساد . .

بقیت أسئلة ترکتها رغبة فی الاختصار . . و ما انتهیت من فصل ، و أردت الشروع بما یلیه إلا تواردت على خاطری تساؤلا… ، دون أن ابحث عنها ، و أفکر فیها ، و قد أدونها کلها ، بعضاً دون بعض ، و قد اترکها کلیة . .
و الآن ورد على خاطری سؤال آخر: لقد حصلت حروب بین المسلمین الذین کانوا یزورون القبور، و یقولون: یا محمد اشفع لنا عند ربک، و بین غیرهم کالصلیبیین و من قبلهم و بعدهم ، فهل کانت تلک الحروب قتالاً بین الکفار بعضهم ببعض، أو کانت بین المسلمین، و بین غیرهم . . و على الأول لا ینبغی أن تعد الحروب الصلیبیة و ما إلیها من تاریخ المسلمین، بل تعد الغزوات و الغارات التی شنها الوهابیة على من آمن بالله و بمحمد و الیوم الآخر، و على الثانی لم یبق من موضوع لدعوة محمد عبد الوهاب، أو للکثیر من کلامه و مؤلفاته (6).

"من کتاب هذه هی الوهابیة، للشَّیخ الفَقید العَلَّامة محمَّدحواد مغنیَّة"

·(1) فیلبی : 39 .

·(2) کشف الارتیاب للسید الأمین نقلاً عن جریدة الرأی العام الدمشقیة عدد 19 ذی القعدة سنة 1345 هـ .

·(3) قد یقال: إن الإسلام أمر بقتل المرتد عنه . قلت : اجل ، لأنه نقض العهد الذی قطعه على نفسه بالإسلام : و کل من نقض عهداً بعد أن أبرمه فهو مجرم تماماً کالقاتل و السارق ، و من هنا قال الفقهاء : إن الرجل المسلم إذا ارتد عن فطرة یقتل و لا یسقط الحد بالتوبة ، کما لا یسقط لو تاب عن الزنا و السرقة .

·(4) کشف الارتیاب للسید الأمین ، و تاریخ الدولة السعودیة ، لامین سعید .

·(5) لا اعرف احداً اضعف و أوضع ممن یزج بالدین فی جمیع خلافاته ، و فی کل هوى من أهوائه و لا أدل على نفاقه و ضعته انه لو ملک القوة لداس على مقدسات الدین و الضمیر .

·(6) هذه هی الوهابیة، للعلامة محمدجواد مغنیة : 124 ـ 136

لینک اصلی

http://razavi.aqr.ir/ar

موافقین ۰ مخالفین ۰ ۹۵/۰۷/۰۴
عباس جعفری (فراهانی)

نظرات  (۰)

هیچ نظری هنوز ثبت نشده است

ارسال نظر

ارسال نظر آزاد است، اما اگر قبلا در بیان ثبت نام کرده اید می توانید ابتدا وارد شوید.
تجدید کد امنیتی